حياة الرسول نموذج عملي لتطبيق الإسلام ، خطبة الجمعة للدكتور خالد بدير
حياة الرسول نموذج عملي لتطبيق الإسلام ، خطبة الجمعة للدكتور خالد بدير ، بتاريخ 4 ربيع الأول 1441 هـ ، الموافق 1 نوفمبر 2019.
لتحميل خطبة بعنوان : حياة الرسول نموذج عملي لتطبيق الإسلام ، خطبة الجمعة للدكتور خالد بدير :
لتحميل خطبة بعنوان : حياة الرسول نموذج عملي لتطبيق الإسلام ، خطبة الجمعة للدكتور خالد بدير ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة بعنوان : حياة الرسول نموذج عملي لتطبيق الإسلام ، خطبة الجمعة للدكتور خالد بدير ، بصيغة pdf أضغط هنا.
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
ولقراءة خطبة بعنوان : حياة الرسول نموذج عملي لتطبيق الإسلام ، خطبة الجمعة للدكتور خالد بدير : كما يلي:
عناصر خطبة بعنوان : حياة الرسول نموذج عملي لتطبيق الإسلام ، خطبة الجمعة للدكتور خالد بدير :
العنصر الأول: الرسول صلى الله عليه وسلم القدوة العملية
العنصر الثاني : صور مشرقة من حياة الرسول العملية مع أفراد المجتمع
العنصر الثالث: التطبيق العملي لحياة الرسول وأثره في سعادة الدارين
المقدمة: أما بعد:
حياة الرسول نموذج عملي لتطبيق الإسلام :
العنصر الأول: الرسول صلى الله عليه وسلم القدوة العملية
عباد الله: لقد كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صورةً حيةً لتعاليم الإسلام السامية في كل شيء، رأَى الناس فيه الإسلام رأْيَ العين، فهو أعظم قدوة للتطبيق العملي في تاريخ البشرية كلها .
ومن أبرز الأمثلة على القدوة في شخص رسولنا- صلى الله عليه وسلم: ما كان عليه من أخلاق قبل البعثة، حيث كان يعرف قبل الرسالة بالصادق الأمين، وما جرَّب قومه عليه كذبًا قط، ولقد شهدت له زوجه عائشة رضي الله عنها؛ وهي ألصق الناس به، وأكثرهم وقوفًا على أفعاله في بيته، بأنه صلى الله عليه وسلم: ” كان خلقه القرآن “، ( مسلم )؛ قال الإمام الشاطبى:
“وإنما كان صلى الله عليه وسلم خلقه القرآن لأنه حكَّم الوحي على نفسه حتى صار في عمله وعلمه على وفقه، فكان للوحي موافقًا قائلاً مذعنًا ملبيًا واقفًا عند حكمه”. فكان صلى الله عليه وسلم قرآنًا يمشي على الأرض. ولقد شهد الله سبحانه وتعالى له بالأخلاق العظيمة في كل الأمور في حياته صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى:
{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(القلم: 4)، من أجل ذلك ارتضاه الله تعالى للبشرية كلها بأنه القدوة الحسنة، والأسوة الطيبة في كل ما يصدر عنه من أقوالٍ وأفعال. وهذه الخاصة كانت من أعظم الأدلة على صدقه فيما جاء به، إذ قد جاهر بالأمر وهو مؤتمر، وبالنهي وهو منتهٍ، وبالوعظ وهو متَّعظ، وبالتخويف وهو أول الخائفين، وحقيقة ذلك كله جعلُهُ الشريعةَ المنزلة عليه حجةً حاكمة عليه، ودلالة له على الصراط المستقيم الذى سار عليه صلى الله عليه وسلم.
لقد كان نبي الرحمة محمد – صلى الله عليه وسلم :
أسوة في أقواله وأفعاله، فإذا أَمَر بخير كان أسرع الناس إلى تنفيذه، وإذا أبلغ شيئًا من الوحي كان أول من يلتزم به، فكان أشدَّ الناس زهدًا وورعًا، وعبادة تقوى، وأعظمهم شجاعة وشهامة ومروءة وكرمًا، وأكبرهم تضحية وبذلاً وفداءً، وأكثرهم صبرًا وحلمًا وعفوًا، ولنا القدوة والأسوة فيه – صلى الله عليه وسلم – {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا } (الأحزاب: 21).
وهذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله- صلى الله عليه وسلم- في أقواله وأفعاله وأحواله، ولهذا أمر الله تبارك وتعالى الناس بالتأسي به صلى الله عليه وسلم؛ فكان إذا أمرَ بشيءٍ أو نادى به فعله أولاً قبل الناس ليتأسوا به، وفي السيرة شواهد على ذلك كثيرة، منها:
أنه لما تم صلح الحديبية بين المسلمين وقريش ونصوا في بنودها أن يرجع المسلمون هذا العام بلا أداء العمرة ويعودوا في العام القادم، أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن ينحروا الهدي ويتحللوا من إحرامهم فقال: “قوموا فانحروا ثم احلقوا” فتكاسل الصحابة حيث إن الشروط كانت جائرةً على المسلمين، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على السيدة أم سلمة مغضبًا، وأخبرها بتخلف الناس عن أمره، فأشارت عليه صلى الله عليه وسلم بأن يُسرع في التنفيذ أمامهم، فقام صلى الله عليه وسلم فحلق رأسه، ونحر هديه، وتسابق الصحابة في التطبيق حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا من شدة الزحام.
ومن أبرز الأمثلة في السيرة النبوية الشريفة أيضًا على كونه- صلى الله عليه وسلم- كان يبدأ بنفسه قبل الناس ليقتدي الناس به، موقفه في بناء المسجد؛ حيث كان يشارك الصحابة في الحفر ونقل التراب، ورفع البناء، وكانوا يرتكزون أثناء عملهم بقولهم: لئن قعدنا والرسول يعملُ……………… لذاك منا العمل المضللُ
وشاركهم صلى الله عليه وسلم في حفر الخندق حول المدينة:
عندما سمع بقدوم الأحزاب لاستئصال شأفة المسلمين في المدينة، وكان له قسم مثلهم يباشر الحفر معهم بيده، ويحمل التراب على كتفه، فكان هذا كله دافعًا للصحابة على العمل؛ حيث يرون قائدهم ورسولهم معهم في خندقٍ واحد، يعمل كما يعملون، ويأكل مما يأكلون، وينام على مثل ما ينامون، وما زادهم ذلك إلا إيمانًا وتسليمًا.
وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم صحابته إلى أن يقتدوا به في أقواله وأفعاله، ولا سيما في العبادات، فلم يُعِدّ مجلسا لشرح أركان الصلاة وسننها ومبطلاتها كما نفعل الآن، وإنما قال: ” صلُّوا كما رأيتُموني أصلِّي ” (رواه البخاري)، وفي الحج قال”خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ” ( مسلم والنسائي).
ولما علم الرسول شدة اقتداء الصحابة به وخاصة في مناسك الحج خشي عليهم الازدحام والتقاتل في أداء المناسك فرفع عنهم الحرج؛ فعن جابر، قال: ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم:” قد نحرت هاهنا، ومنى كلها منحر، ووقف بعرفة، فقال: قد وقفت هاهنا، وعرفة كلها موقف، ووقف بالمزدلفة، فقال: قد وقفت هاهنا، والمزدلفة كلها موقف” ( أبوداود )؛ تصورت هذا المشهد من ازدحام الناس عند جبل الرحمة في أرض عرفات وقلت: لو قال النبي صلى الله عليه وسلم: وقفت ها هنا وهذا هو الموقف!! ونحرت ها هنا وهذا هو المنحر!! لتقاتل الناس وهلك الكثير ؛ ولكنه صلى الله عليه وسلم كان رحيما بأمته.
وفي الصيام اتبعوه في الوصال فنهاهم رحمة ورأفة بهم وشفقة عليهم:
فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ” نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْوِصَالِ فِي الصَّوْمِ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: وَأَيُّكُمْ مِثْلِي؟! إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ؛ فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنْ الْوِصَالِ وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ رَأَوْا الْهِلَالَ؛ فَقَالَ: لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ ؛ كَالتَّنْكِيلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا ” ( البخاري ) .
ولشدة اقتداء الصحابة به -صلى الله عليه وسلم- اتبعوه في خلع نعله أثناء الصلاة، مع أن هذا الأمر خاص به– لعارض- دون غيره. فقد أخرج أبو داود والحاكم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إِذْ وَضَعَ نَعْلَيْهِ عَلَى يَسَارِهِ فَأَلْقَى النَّاسُ نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاةَ ، قَالَ: ” مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ ؟ “، قَالُوا : رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ فَأَلْقَيْنَا، فَقَالَ: ” إِنَّ جِبْرِيلَ أَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا أَوْ أَذًى فَمَنْ رَأَى – يَعْنِي – فِي نَعْلِهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُمَا ثُمَّ لِيُصَلِّ فِيهِمَا .”
أختم هذه الصور والمواقف بموقف رائع لسيدنا عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ؛ فقد روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم مر على طريق يوما ثم نزل من فوق ظهر ناقته، وصلى ركعتين، فصنع ابن عمر ذلك إذا جمعه السفر بنفس البقعة والمكان..فسئل عن ذلك فقال: رأيته صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ففعلت! بل إنه ليذكر أن ناقة الرسول دارت به دورتين في هذا المكان بمكة، قبل أن ينزل الرسول من فوق ظهرها، ويصلي ركعتين، وقد تكون الناقة فعلت ذلك تلقائيا لتهيئ لنفسها مناخها؛ لكن عبدالله بن عمر لا يكاد يبلغ هذا المكان يوما حتى يدور بناقته، ثم ينيخها، ثم يصلي ركعتين لله تماما كما رأى المشهد من قبل مع رسول الله.
العنصر الثاني : صور مشرقة من حياة الرسول العملية مع أفراد المجتمع
أحبتي في الله: تعالوا معنا في هذا العنصر لنذكر لكم صورا مشرقة عملية من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ تشمل أفراداً وأعماراً وألواناً مختلفة من المجتمع، لنأخذ منها العبرة ونطبقها عملياً على أرض الواقع:
فمنها: حياته في التعامل مع الخدم والعبيد: فعن أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: “خَدَمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ وَلَا لِمَ صَنَعْتَ وَلَا أَلَّا صَنَعْتَ”، وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: “مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ “(أخرجهما البخاري ومسلم ).
ومنها: حياته في التعامل مع الأطفال والصبيان:
فقد كان صلى الله عليه وسلم رحيماً بالأطفال: فعن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:” قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا، فَقَالَ الْأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنْ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ” (متفق عليه)؛ وعن عَبْد اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَقْبَلَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَعْثُرَانِ وَيَقُومَانِ ، فَنَزَلَ فَأَخَذَهُمَا فَصَعِدَ بِهِمَا الْمِنْبَرَ ، ثُمَّ قَالَ :
” صَدَقَ اللَّهُ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ( التغابن: 15 )، رَأَيْتُ هَذَيْنِ فَلَمْ أَصْبِرْ ” ، ثُمَّ أَخَذَ فِي الْخُطْبَةِ. ( أبو داود والبيهقي والحاكم وصححه )؛ وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن شَدَّادِ بن الْهَادِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي إِحْدَى صَلاتَيِ النَّهَارِ: الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ، وَهُوَ حَامِلٌ الْحَسَنَ أَوِ الْحُسَيْنَ، فَتَقَدَّمَ فَوَضَعَهُ عِنْدَ قَدَمِهِ الْيُمْنَى، فَسَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجْدَةً فَأَطَالَهَا، فَرَفَعْتُ رَأْسِيَ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ، وَإِذَا الْغُلامُ رَاكِبٌ ظَهْرَهُ، فَعُدْتُ فَسَجَدْتُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ نَاسٌ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَقَدْ سَجَدْتَ فِي صَلاتِكَ هَذِهِ سَجْدَةً مَا كُنْتَ تَسْجُدُهَا، أَشَيْئًا أُمِرْتَ بِهِ، أَوْ كَانَ يُوحَى إِلَيْكَ؟ قَالَ:”كُلٌّ لَمْ يَكُنْ، وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي، فَكَرِهْتُ أَنْ أُعْجِلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ”.(أحمد والطبراني والحاكم وصححه)؛ وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ ، قَالَ : رَأَيْتُ ” النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَؤُمُّ النَّاسَ ، وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ وَهِيَ ابْنَةُ زَيْنَبَ بِنْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، عَلَى عَاتِقِهِ ، ” فَإِذَا رَكَعَ ، وَضَعَهَا ، وَإِذَا رَفَعَ مِنَ السُّجُودِ ، أَعَادَهَا “. (مسلم).
ومنها : حياته في التعامل مع النساء:
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم الوصية بالنساء، وكان يقول لأصحابه: “اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا”[البخاري]، بل إن هناك ما هو أعجب من ذلك، وهو رحمته صلى الله عليه وسلم بالإِمَاء، وهُنَّ الرقيق من النساء، فقد روى أنس بن مالك قال: “إِنْ كَانَتْ الْأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ!”[ البخاري] .
فيجب على الأزواج الرحمة بالنساء وأن يتقوا الله فيهن، فالمرأة ضعيفة مخلوقة من ضلعٍ أعوج، وإني أعلم رجالاً يعاملون الزوجات معاملة العبيد ناهيك عن الإهانة وجميع صور الذل والهوان، وغفلوا عن قول النبي:” خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي”( الترمذي وحسنه).
ومنها: حياته في التعامل مع الحيوان:
فقد تجاوزت إنسانيته صلى الله عليه وسلم ذلك كله إلى الحيوان والبهيمة؛ فيروي عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطاً لرجل من الأنصار، فإذا فيه جمل فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حنّ وذرفت عيناه فأتاه صلى الله عليه وسلم فمسح ظفراه فسكت، فقال صلى الله عليه وسلم :
“من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟” فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله، فقال له : ” أَفَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ ” (أبو داود)، ( وَتُدْئِبهُ: أَيْ تُكْرِههُ وَتُتْعِبهُ وَزْنًا وَمَعْنًى)، وقد مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعِيرٍ قَدْ لَحِقَ ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ فَقَالَ: “اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً وَكُلُوهَا صَالِحَةً” (أبوداود وابن خزيمة بسند صحيح)، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلَا سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا، وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ”( متفق عليه)، وفي المقابل، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ”(متفق عليه ) .
وتتجاوز رحمته البهائم إلى الطيور الصغيرة التي لا ينتفع بها الإنسان كنفعه بالبهائم، ولننظر إلى رحمته بعصفور! حيث يقول رسول الله: “مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا عَبَثًا عَجَّ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: يَا رَبِّ، إِنَّ فُلاَنًا قَتَلَنِي عَبَثًا، وَلَمْ يَقْتُلْنِي لِمَنْفَعَةٍ” (النسائي وابن حبان) .
ومنها: حياته في التعامل مع كبار السن:
فقد جاء أبو بكر بأبيه عام الفتح يقوده نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه كالثَّغامة بياضا من شدة الشيب، فرحم النبي صلى الله عليه وسلم شيخوخته وقال: “هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه، قال أبو بكر رضي الله عنه: هو أحق أن يمشي إليك يا رسول الله من أن تمشي إليه.” [ مجمع الزوائد – الهيثمي ] وهو القائل صلى الله عليه وسلم: ” لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا” [ أحمد والترمذي والحاكم وصححه ] .
ومنها: حياته في التعامل مع الكفار: فالإنسانية في التعامل لم تقتصر على المسلمين فحسب؛ بل تعدت لتشمل الكفار كذلك، فعندما قيل له صلى الله عليه وسلم ادع على المشركين قال:”إني لم أبعث لعانًا، وإنما بعثت رحمة” (مسلم) ، وقال في أهل مكة – لما جاءه ملك الجبال ليأمره بما شاء- : ” بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ” (البخاري ومسلم)، ولما أصيب في أحد قال له الصحابة الكرام ادع على المشركين فقال:”اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون” (شعب الإيمان للبيهقي) .
ومنها: حياته في التعامل مع المخطئ :
فعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَامَ أعرَابٌِّي فَبَالَ في الْمَسْجِدِ، فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم -: ” دَعُوهُ وَهَرِيْقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ، أوْ ذَنُوباً مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَم تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ “. (البخاري).
وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ ، قَالَ : بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ ، فَقُلْتُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ ، فَقُلْتُ : وَا ثُكْلَ أُمِّيَاهْ ، مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ ؟ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي ، لَكِنِّي سَكَتُّ ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي ، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ ، وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ ، فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي ، قَالَ : ” إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ ، لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ ” ( مسلم ) .
فعلينا أن نتأسى بهديه صلى الله عليه وسلم في التعامل مع المخطئين ونفتح لهم باب التوبة والأمل والرجاء .
أيها المسلمون: هذا غيضٌ مِن فيض من صور ونماذج الإنسانية في حياة خير البرية – صلى الله عليه وسلم-، وما أغفلناه أكثر ممَّا ذكرناه، ويكفي القلادة ما أحاط بالعنق!!!
العنصر الثالث: التطبيق العملي لحياة الرسول وأثره في سعادة الدارين
عباد الله : إن حياة الرسول – صلى الله عليه وسلم – أبهرت العالم كله مسلمين وغير مسلمين ؛ في حسن تعامله مع الصغير والكبير ؛ والقوي والضعيف ؛ والرجال والنساء ؛ والمسلم وغير المسلم ؛ حتى مع البهائم والطيور والحيوانات؛ فحياته كلها أنموذج عملي لتطبيق المنهج الإسلامي القويم في كل زمان ومكان؛ ولم يكن عجيبًا أن تصنَع تلك الشخصية المتفرِّدة ذاك الأثر الكير في نفوس الصحابة، ليُقدِّموا نجاحات مُبهرة على الصعيد الفردي والجماعي، وفي المجال الديني والحضاري والاجتماعي؛ الأمر الذي جعل ( ليوبولدفايس) يقول عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به:
إن العمل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو عمل علي حفظ كيان الإسلام وعلي تقدمه ، وإن ترك السنة هو انحلال الإسلام . ويقول الكونت كاتياني في كتابه (تاريخ الإسلام) : “أليس الرسول جديراً بأن تقدَّم للعالم سيرته حتى لا يطمسها الحاقدون عليه وعلى دعوته التي جاء بها لينشر في العالم الحب والسلام؟! وإن الوثائق الحقيقية التي بين أيدينا عن رسول الإسلام ندر أن نجد مثلها ” .
أيها الأفاضل! ألا ما أحوجنا أن نرجع من جديد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لنسير على دربه، فوالله لا سعادة لنا ولا نجاة في الدنيا والآخرة إلا إذا عدنا من جديد إليه وسرنا على نفس الدرب الذي سار عليه، ورددنا مع السابقين الأولين الصادقين قولتهم الخالدة: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:285].
فعن جابر رضي الله عنه أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبة الوداع يوم عرفة: « تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ. وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّى فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ ». قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ. فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ « اللَّهُمَّ اشْهَدِ اللَّهُمَّ اشْهَدْ ». (رواه مسلم)؛ وهو القائل صلى الله عليه وسلم:
” عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ؛ وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ؛ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ” (رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح) .
وهكذا أيها المسلمون؛ علينا أن نجعل حياة الرسول صلى الله عليه وسلم نموذجاً عمليا تطبيقيا في حياتنا اليومية ؛ إذا كنا نريد الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة ؛ لنفوز بسعادة العاجل والآجل .
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ؛ واصرف عنها سيئها فإنه لا يصرف عنا سيئها إلا أنت ؛؛؛
الدعاء،،،، وأقم الصلاة،،،،
كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
______________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للمزيد عن أسئلة واختبارات وزارة الأوقاف
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف